IDSC logo
مجلس الوزراء
مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار

فجوة مخرجات التعليم وسوق العمل في مصر

 الأحد. 20 يونيو., 2021

فجوة مخرجات التعليم وسوق العمل في مصر

 د. أشرف سمير أنور

تعد أنظمة التعليم الجيدة، وفقا لنتائج العديد من الدراسات التطبيقية، أحد المحددات الرئيسة لزيادة إنتاجية رأس المال البشري وتعزيز ريادة الأعمال والتقدم التكنولوجي. وهو ما دعى البعض إلى إطلاق "عصر رأس المال البشري" على القرن العشرين، نظرا لكون تطوير واستخدام المهارات والمعرفة من العوامل المؤثرة على تنافسية الصناعات الوطنية ومعيارا مهما لقياس مستوى المعيشة عبر الدول. كما أن التعليم يعد أحد أسباب الحراك الاجتماعي والتغلب على الفقر، وذلك بتمكين الأفراد من الحصول على مهن تمكنهم من الحصول على دخل ثابت يضمن لهم مستوى معيشيًا مستقرًا.

تعد أنظمة التعليم الجيدة، وفقا لنتائج العديد من الدراسات التطبيقية، أحد المحددات الرئيسة لزيادة إنتاجية رأس المال البشري وتعزيز ريادة الأعمال والتقدم التكنولوجي. وهو ما دعى البعض إلى إطلاق "عصر رأس المال البشري" على القرن العشرين، نظرا لكون تطوير واستخدام المهارات والمعرفة من العوامل المؤثرة على تنافسية الصناعات الوطنية ومعيارا مهما لقياس مستوى المعيشة عبر الدول. كما أن التعليم يعد أحد أسباب الحراك الاجتماعي والتغلب على الفقر، وذلك بتمكين الأفراد من الحصول على مهن تمكنهم من الحصول على دخل ثابت يضمن لهم مستوى معيشيًا مستقرًا.

وعلى النقيض، فإن أنظمة التعليم الضعيفة تعد أحد مؤشرات تخلف الأمم، وتعكسها زيادة الفجوة بين مخرجات الأنظمة التعليمية ومتطلبات سوق العمل، وتشير الدلائل العملية إلى أن هناك ارتباطا وثيقا بين زيادة الإنفاق على التعليم والتحسن في مؤشرات تنافسية القطاعات الإنتاجية ومؤشرات التنمية الاقتصادية. 

ويحظى قطاع التعليم بمستوياته الثلاثة، التعليم الأساسي والتعليم الفني والتدريب والتعليم الجامعي أو العالي، في مصر باهتمام كبير من صانع القرار، نظرا لتأثيراته الإيجابية الاقتصادية والاجتماعية متعددة الأبعاد، فجودة أنظمة التعليم، على جميع مستوياتها، تنعكس بشكل واضح على تطور الصناعة الوطنية، والتي تنعكس آثارها على مؤشرات التنمية المستدامة وجودة المعيشة بمصر. 

ويواجه قطاع التعليم قبل الجامعي العديد من التحديات، والتي يعد أبرزها: (1) انخفاض نسبة المعلمين إلى الطلاب، (2) ضعف وتيرة اعتماد المدارس من قبل هيئة ضمان واعتماد الجودة، (3) بروز الأمية الرقمية لدى الكثير من المعلمين. 

وللتغلب على التحديات السابقة، فقد استهدفت الحكومة المصرية تصميم سياسات تعليم عادلة تعمل على تحقيق توزيع عادل لمدخلات التعليم بغية توفير تعليم جيد وتحفيز فرص الوصول لتعليم عادل على المستوى الجغرافي والنوعي.

وقد عملت الحكومة المصرية في صياغتها لتصميم سياسات التعليم على تحقيق التحسن في ثلاث قنوات رئيسة، والتي تشمل: جانب عرض الخدمات التعليمية، وجانب تحسين جودة الخدمات التعليمية المقدمة، وجانب تشجيع الطلب على المنتج التعليمي. 

وقد تضمنت رؤية مصر 2030 والخطة الاستراتيجية لتطوير التعليم قبل الجامعي (2014-2030) أهدافا طموحًا ارتكزت على عدة محاور أساسية، والتي شملت: (1) ضرورة تحقيق العدالة في توفير فرص التعليم الجيد وبدون تمييز لكل المصريين، وهو الهدف الذي تم تضمينه في دستور 2014، (2) ضرورة أن تتضمن تشريعات الدولة سياسة واضحة لتطوير قطاع التعليم، (3) العمل الدائم على تحسين البنية الأساسية للتعليم، وذلك بهدف ضمان التطوير المستمر لمؤشرات التعليم وتطوير المناهج التعليمية ودعم برامج التعليم مدى الحياة، (4) تمكين المعلمين من خلال تطوير مهارات المُعلم وتحسين ظروفه الاجتماعية، (5) تنويع مصادر تمويل أنشطة قطاع التعليم وخاصة فيما يتعلق بدعم الجهود الرامية لمشاركة القطاع الخاص في مجالي البنية الأساسية ودعم برامج التدريب المهني، (6) العمل المستمر على ربط مخرجات قطاع التعليم بسوق العمل، وخاصة فيما يتعلق بتطوير التعليم الفني والتعليم التكنولوجي. 

وانطلاقا من الأهداف السابقة، فقد ارتكزت رؤية صانع القرار المصري على جعل التعليم محورا رئيسا من محاور التنمية الصناعية، والتي ترتكز على تطوير كفاءة عنصر رأس المال البشري، بحيث يمتلك المهارات الحديثة التي يحتاجها سوق العمل، والتي تشمل: القدرة على التواصل والعمل الجماعي والمرونة والقدرة على حل المشكلات والتفكير النقدي وتحليل البيانات الكبيرة واكتساب مهارات ريادة الأعمال.

ولدعم الأهداف السابقة، فمن الضروري العمل على سد الفجوة الرئيسة بين احتياجات القطاعات الإنتاجية ومخرجات قطاع التعليم، والتي تستلزم دعم قدرات التعليم الفني وتطوير منظومة التدريب المهني.

أولًا: دعم قدرات التعليم الفني

يعد التعليم الفني ركيزة أساسية لتطوير استراتيجية التعليم في مصر، ويستهدف توفير كوادر فنية وحرفية متخصصة بهدف خدمة القطاعات الاقتصادية الرئيسة. ووفقا للخطة الاستراتيجية للتعليم قبل الجامعي 2014-2030، فإن هناك هدفا رئيسا يتمثل في تنمية القدرات الفنية لخريجي المدارس الفنية في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة عن طريق تزويدهم بأدوات التكنولوجية الحديثة؛ وذلك بغية تدعيم دورهم الإيجابي في تنفيذ برامج التنمية الشاملة في مصر. 

وتتمثل أهم التحديات التي تواجه التعليم الفني في ضعف مشاركة القطاع الخاص في توفير تلك النوعية من التعليم وعدم وجود خطة واضحة لربط مخرجات التعليم الفني بسوق العمل؛ مما يفاقم من مشكلة البطالة بين خريجي التعليم الفني، كما أن هناك عددا آخر من التحديات المهمة، والتي تم تحديدها في وثيقة رؤية مصر 2030، والتي تؤثر بشكل واضح على جودة التعليم الفني، وتشمل: (1) ندرة المعلمين في بعض التخصصات المهنية، (2) ضعف نسبة إقبال المدارس الفنية على الاعتماد من قبل هيئة ضمان الجودة؛ (3) تدهور النظرة المجتمعية للعمل المهني والفني، (4) عدم توافر آلية تربط بين نوعية التعليم الفني والتوزيع الجغرافي والنوعي للصناعات. 

وتركز استراتيجية التعليم على زيادة تنافسية نظم التعليم وتحسين قدرات التعلم بها وتشجيع الدارسين على التعليم الفني والتقني عن طريق استهداف تحسين جودة التعليم الفني من خلال مواكبة مناهج وطرق التدريس تماشيًا مع المعايير العالمية.

وعلى مستوى المؤشرات الكمية، تستهدف رؤية مصر 2030 زيادة نسبة الملتحقين بالتعليم المهني من إجمالي التعليم الفني إلى نحو 30% مقارنة بنحو 4% خلال عام 2014، وزيادة نسبة الملتحقين بالتعليم الفني من المتفوقين في الإعدادية إلى نحو 20% مقارنة بنحو 4% خلال عام 2014، وزيادة نسبة خريجي التعليم الفني الذين يعملون في مجال تخصصاتهم إلى نحو 80% مقارنة بنحو 30% خلال عام 2014.  وإزاء ذلك، فقد تضمنت رؤية مصر 2030 عددا من البرامج التي استهدفت تطوير نوعية خريجي التعليم الفني.

ثانيًا: تطوير منظومة التدريب المهني

يعد تطوير منظومة التدريب المهني وربطها باحتياجات سوق العمل من أولويات صانع القرار المصري للنهوض بخصائص عنصر رأس المال البشري بما يتماشى مع الطبيعة المتغيرة لسوق العمل. وتساهم مراكز التدريب المهني المنتشرة بمديريات القوى العاملة على مستوى الجمهورية في سد الفجوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل، نظرا لما توفره من أنواع مختلفة من التدريبات على المهن والحرف التي يطلبها أرباب الأعمال محليًّا ودوليًّا.

وتساهم مراكز التدريب المهني بما توفره من دورات تدريبية في مجالات الحرف وإدارة المشروعات واكتساب التكنولوجيا في تحقيق الاستقرار المهني للعاملين، وذلك نظرًا لتوفير برامج إعادة تأهيل العمال بما يتماشى مع التغيرات الحادثة في نوعية وخصائص وظائف سوق العمل، وتعد "مصلحة الكفاية الإنتاجية والتدريب المهني" أبرز المؤسسات التي تعمل على تزويد الصناعة المصرية بالعمالة الماهرة المؤهلة لخدمة قطاع الصناعة، بما ينعكس إيجابيا على مستوى الإنتاجية وتحقيق الكفاءة الإدارية بقطاع الصناعة المصرية. وخلال عام 2018/2019، قدمت المصلحة عددا من برامج التدريب المهني في مجالات التعدين والميكانيكا والكهرباء والإلكترونيات والطباعة والغزل والنسيج والنجارة والصناعات الكيماوية والجلود. 

ويعد برنامج دعم إصلاح التعليم الفني والتدريب المهني من أبرز المشروعات المُنفذة حديثًا لدعم التعليم الفني، والتدريب المهني، وذلك بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي. ويستهدف البرنامج تزويد الشباب بمهارات سوق العمل وتعزيز قدراتهم الإنتاجية، ويرتكز البرنامج على ثلاثة مكونات رئيسة: (1) تحسين حوكمة نظام التعليم الفني والتدريب المهني في مصر، و (2) تطوير الجودة والموضوعات ذات الصلة بنظام التعليم الفني والتدريب المهني، و(3) دعم التوظيف أو الانتقال لسوق العمل. وتستهدف تلك المكونات زيادة فرص التوظيف لخريجي التعليم الفني وتوفير عمالة فنية مدربة ومؤهلة لخدمة احتياجات أرباب العمال.

وتشمل أهم تحديات التدريب المهني في مصر ضرورة تخصيص المزيد من الاستثمارات اللازمة لقطاع التدريب المهني، وزيادة برامج التمويل المخصصة لتلك النوعية من البرامج، وخاصة بالعمل على زيادة إقبال القطاع الخاص على المشاركة. ومن الضروري كذلك مشاركة أرباب الأعمال في تصميم برامج التدريب المهني مع مقدمي الخدمات التدريبية لتحديد قائمة المهارات الفنية المطلوبة والمخرجات المتوقعة من قبل البرامج التدريبية. كما يستلزم لتحسين منظومة التدريب المهني توفير المعلومات المتكاملة الخاصة باحتياجات سوق العمل من المهارات المتخصصة والمتقدمة وضرورة وضع خطط تنفيذية مرنة تعمل على تطوير مراكز التدريب المهني على مستوى الجمهورية وتحديثها بأدوات وأجهزة التدريب العملية اللازمة، وذلك بهدف تزويد المتعلمين بمهارات سوق العمل الحديثة.

فمن الصعب اعتماد استراتيجية تدعم الربط بين مخرجات التعليم وسوق العمل بدون التركيز على تزويد المتعلمين بالمهارات الحديثة وتحسين جودة المحتوى المهاري والتكنولوجي لخريجي المؤسسات التعليمية. ويأتي ذلك في ضوء معطيات الثورة الصناعية الرابعة وما أحدثته من تطوير في تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي من المتوقع أن تكون لها الغلبة في التطبيقات الإنتاجية والصناعية في المستقبل القريب؛ مما قد يؤثر بشكل واضح على طبيعة أسواق العمل في المستقبل. وفي ضوء مستجدات جائحة كوفيد-19، وما نتج عنها من آثار ذات صلة بطرق التعلم وخصائص العامل في سوق العمل، فقد زاد الحديث مؤخرا عن ضرورة تزويد المتعلمين بمهارات وظائف المستقبل، وخاصة فيما يتعلق بالقدرة على استخدام التطبيقات الحاسوبية في القطاع الإنتاجي. 

وتعد برامج "التوظيف لخدمة المجتمع" وبرامج "التدريب المهني المستمر" وبرامج "كليات المجتمع" من أبرز البرامج من واقع التجارب الدولية، والتي تساهم بشكل جذري في دعم مهارات المتعلمين.

وختاما، نلاحظ أن تطوير قدرات خريجي المؤسسات التعليمية يعد عاملا أساسيا لزيادة تنافسية القطاعات الإنتاجية. ولتضييق الفجوة بين مخرجات المؤسسات التعليمية وسوق العمل فمن الضروري العمل على تطوير وتحسين البنية التحتية لقطاع التعليم الفني ومراكز التدريب المهني. 

فعلى مستوى التعليم الفني، هناك ضرورة ملحة لزيادة مخصصات الإنفاق الموجه لتلك النوعية من التعليم، حيث إن الزيادات السنوية التي يتم تخصيصها لتنمية قدرات المعلمين وتزويد المدارس بالأجهزة اللازمة للتعليم تعد محدودة وأغلبها زيادات نقدية يتلاشى آثرها الإيجابي مع الزيادات الطبيعية في معدلات التضخم. فزيادة الاستثمارات العامة، والتي تستهدف تحسين المدارس الفنية وتطوير المناهج المهنية وربطها بالمتطلبات الحقيقية لسوق العمل، تعد عاملًا محوريًّا لتعزيز الترابط بين التعليم الفني ومتطلبات سوق العمل، كما أنه من الضروري وضع خطة زمنية محددة لإلزام مدارس التعليم الفني بالحصول على اعتماد الجودة والتصديق على مشروع القانون الذي أعده مجلس الوزراء، في ضوء التكليف الرئاسي؛ لإنشاء الهيئة المصرية لضمان الجودة والاعتماد في التعليم والتدريب التقني والفني والمهني. وبالتصديق على مشروع القانون، والذي من المتوقع أن يُصدر قريبًا، فإن مصر سوف تتخذ مسار العديد من الدول المتقدمة في دعم تنافسية قوة العمل المصرية في أسواق العمل المحلية والدولية.

وعلى مستوي التدريب المهني، فيستلزم الأمر مراجعة دورية لخطط ربط محتويات برامج التدريب المهني باحتياجات سوق العمل، من خلال مشاركة مستمرة وفعالة من قبل أرباب الأعمال في تصميم برامج التدريب المهني.

تقييم الموقع