الأربعاء. 21 سبتمبر., 2022
د. مارك ميخائيل
منذ الربع الأخير من القرن العشرين، شهد المجتمع البشري ازدهارًا لمجال تكنولوجيا المعلومات وبالأخص الاتصال بالإنترنت؛ حيث إن دمج الإنترنت مع الهواتف الذكية قد أدى إلى عالم متصل ببعضه بشكل دائم متجاوز الحدود الوطنية والاختلافات الزمنية والمسافات الجغرافية. وفي هذا الشأن أصبح الإنترنت العمود الفقري لمعظم أنشطتنا واتصالاتنا حتى امتد التأثير إلى جميع الأنشطة الاقتصادية على مستوى المؤسسات العامة والخاصة. لذا أصبح الاتصال بالإنترنت حقًّا وضرورة في كل المعاملات اليومية، وقد بلغ تأثير هذا التطور ذروته في ظهور مجتمع جديد يُعرَف في جميع أنحاء العالم باسم «مجتمع المعلومات» أو «مجتمع المعرفة».
منذ الربع الأخير من القرن العشرين، شهد المجتمع البشري ازدهارًا لمجال تكنولوجيا المعلومات وبالأخص الاتصال بالإنترنت؛ حيث إن دمج الإنترنت مع الهواتف الذكية قد أدى إلى عالم متصل ببعضه بشكل دائم متجاوز الحدود الوطنية والاختلافات الزمنية والمسافات الجغرافية. وفي هذا الشأن أصبح الإنترنت العمود الفقري لمعظم أنشطتنا واتصالاتنا حتى امتد التأثير إلى جميع الأنشطة الاقتصادية على مستوى المؤسسات العامة والخاصة. لذا أصبح الاتصال بالإنترنت حقًّا وضرورة في كل المعاملات اليومية، وقد بلغ تأثير هذا التطور ذروته في ظهور مجتمع جديد يُعرَف في جميع أنحاء العالم باسم «مجتمع المعلومات» أو «مجتمع المعرفة».
إن التقدم التكنولوجي الناتج عن الثورة المعلوماتية كان نتيجة للاتصال بالشبكة العنكبوتية، كما أدى إلى ظهور الكثير من السلع والخدمات الرقمية والتي قام على أثرها القطاع الخاص بالاستثمار فيها، مع خلق أسواق جديدة وغير تقليدية مثل Facebook وAmazon وغيرهما من أسواق السلع والخدمات الرقمية التي تدر الكثير من الأرباح لتلك المؤسسات الخاصة، وفي ظل هيمنة المنصات الرقمية على سوق التجارة الدولية وتعاظم أرباح الشركات المسيطرة عليه، يبقى السؤال المُلح والأهم: ما دور الدول لمواكبة التطور التكنولوجي السريع الذي أدى إلى ظهور «الاقتصاد الرقمي»؟
قبل الحديث عن الاقتصاد الرقمي، يجب توضيح أن النظريات الاقتصادية التقليدية التي تتبناها الدول تستند إلى تحسين الاقتصاد عن طريق تدريب وتطوير قدرات الأيدي العاملة، وزيادة رأس المال، والاهتمام بتطوير المعدات والآلات بإدخال التكنولوجيا الحديثة، بالإضافة إلى استغلال الدولة لأصولها الثابتة والمنقولة بالطريقة المُثلى؛ مما يُسهم في نمو الاقتصاد الوطني؛ إذ إن دولًا كثيرة تمتلك من الأصول الثابتة والمنقولة -التي غالبًا ما تكون ذات قيمة عالية- أكثر من ديونها العامة، لكن معظم تلك الثروات لا يتم الاستفادة بها على النحو الأمثل وتوجيهها بالشكل الصحيح لصالح الاقتصاد الوطني وتنمية قدراته. وقد ظهر نوع جديد من الأصول والممتلكات وهي «الأصول الرقمية» والتي نتج عنها «الاقتصاد الرقمي» الذي يعتمد بشكل أساسي على تكنولوجيا المعلومات.
إذًا، ما الأصول الرقمية؟ وهل يجوز للدولة امتلاكها؟
إن مصطلح الأصول الرقمية هو مصطلح جديد، يوجد له العديد من التعريفات لمفهوم تلك الأصول غير الملموسة، ولكن يُمكن تعريف الأصل الرقمي بأنه الشيء الذي يتم تخزينه بصورة رقمية ويكون له قيمة مالية، كما يُمكن التعرف عليه بشكل فريد، ويُمكن للمؤسسات استخدامه لتحقيق الإيرادات والأرباح، وهذه الأصول تتضمن المستندات وجداول البيانات الرقمية والمواقع الإلكترونية والعقارات الافتراضية والعملات المشفرة وغيرها من الأشياء التي تتميز بالطابع الرقمي ولها قيمة مالية.
لذا لا بُد من أن يكون الأصل الرقمي له قيمة مالية يحددها قانون العرض والطلب، مثل جميع الأصول الأخرى (غير الرقمية) سواء الثابتة أو المنقولة.
ويُقصَد بالأصول الرقمية هنا الممتلكات الرقمية كمواقع التواصل الاجتماعي وحسابات الإعلانات على المواقع الافتراضية ومواقع الويب وحسابات الاستضافة وأي ممتلكات أخرى مماثلة. وإذا نظرنا إلى الأصول الملموسة الثابتة والمنقولة يكون للمالك الحق في استغلالها أو التصرف فيها سواء بالبيع أو الإيجار أو غيرها من التصرفات التي يمنحها له القانون. فإذا كان الشخص يمتلك منزلًا يكون من حقه الانتفاع أو التصرف في ذلك المنزل. ولكن هل حق الدولة على أملاكها الرقمية هو الحق نفسه الذي يمنحه القانون للأشخاص الطبيعيين والمعنويين على أصولهم الثابتة والمنقولة؟ للإجابة عن ذلك السؤال، يجب فهم المشهد الحالي؛ حيث إنه في ظل الثورة الرقمية الحالية التي تعمل على تغيير العالم كما نعرفه في الوقت الحاضر، تمكنت التقنيات الرقمية من تغيير الطريقة التي تعمل بها الشركات والأفراد، وامتدت كذلك لتشمل الدول والحكومات؛ حيث ذهب بعض الدول إلى خلق عملاتها الرقمية والمنصات الإلكترونية التي تُسهم في دعم وتطوير اقتصاداتها خاصة بعد الركود الاقتصادي الذي اجتاح العالم خلال أزمة كورونا وتداعياته الكارثية على اقتصاد معظم دول العالم؛ الأمر الذي دفع بعض الدول إلى الاتجاه نحو التحول الرقمي للحفاظ على صحة مواطنيها وضمان السلم والأمن العام بالاعتراف بأهمية التحول الرقمي، وأن يكون للدول الحق في تعزيز اقتصاداتها وزيادة إيراداتها لدفع تكاليف الخدمات العامة وتمويل استثمارات البنية التحتية دون زيادة الضرائب بالتركيز على أصولها الرقمية والمشفرة واستغلالها والاستفادة منها على الوجه الأمثل.
كما أشرنا، لقد اتجهت بعض الدول والحكومات إلى خلق عملاتها الرقمية والمنصات الإلكترونية ومواقع تداول العملات الرقمية الخاصة بها وتلك الخطوات تُعد أولى الخطوات المهمة نحو الاستفادة من الأصول الرقمية المملوكة للدولة وللأشخاص المعنوية العامة. إن المستقبل ينذر بأن نجاح الدول والحكومات سيعتمد بشكل متزايد على مدى قدرتها على استخدام أصولها الرقمية مثل البيانات الرقمية اللازمة لتقييم مخزونها من الأصول المادية لتوليد المزيد من رأس المال على غرار ما تمتلكه الشركات الكبرى، مثل: Google - Airbnb - Uber، واستغلالها لأصولها الرقمية لتسويق خدماتها بكفاءة؛ حيث إن تلك الشركات لا تمتلك أصولًا مادية ولكنها قادرة على الاستفادة من منصاتها الرقمية من مالكي المنازل والسيارات من خلال تطبيقاتها الرقمية.
وأشار الدستور المصري بشكل واضح إلى أهمية أمن وتكنولوجيا المعلومات للاقتصاد الوطني؛ إذ إن المادة 31 من دستور 2014 قد نصت على أن «أمن الفضاء المعلوماتي جزء أساسي من منظومة الاقتصاد والأمن القومي، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليه، على النحو الذي ينظمه القانون”.
ولذا سيكون على الدول ومنها مصر سن القوانين التي تساعدها على أن تحذو حذو القطاع الخاص، وتعطي لها حق استغلال ممتلكاتها الرقمية، وتوضح طبيعة حق الدولة على تلك الأصول والممتلكات الرقمية؛ وذلك لتعظيم إيرادات الدولة وتعزيز نمو الاقتصاد الوطني.