مقدمة
منذ الاستقلال، شرعت الدول الإفريقية في رحلة الاندماج على المستويين الإقليمي والقاري من خلال عدد كبير من اتفاقيات التكامل الإقليمي، والتي تسمى أيضًا التجمعات الاقتصادية الإقليمية (RECs) في إفريقيا. ومنذ البداية ركزت معظم الجهود المبذولة في التكامل على إزالة الحواجز التي تفرضها السياسات التجارية مثل (التعريفات والحواجز الجمركية وغير الجمركية (NTBs) للتجارة في السلع، ثم في الآونة الأخيرة لحركة رأس المال والأشخاص. لقد كانت هذه الخطوات نحو تكامل السوق من أجل إنشاء سوق كبيرة رئيسة بغرض زيادة القوة التفاوضية في المفاوضات مع المنظمات التجارية والاقتصادية العالمية.
وكان من أهم دوافع التكامل الإقليمي الإفريقي، أولًا: الميراث التاريخي الذي ورثته بعدما تدافعت الدول الاستعمارية وقسمتها فيما بينها، فجعلت بينها حدودًا مصطنعة بخطوط مستقيمة وصلت 80% عبر القارة، وثانيًا: التقسيم العرقي عبر الحدود، والذي كان الأعلى على مستوى القارة.
هذا وتتكون هذه الورقة من عدة أجزاء، يتناول الجزء الأول منها تمهيدًا يشمل نشأة الاتفاقية، ومراحل تطورها والدوافع إليها، سواء من حيث مزايا التكامل الإقليميأو النتائج المترتبة عليه، ثم يليه الجزء الثاني فيشمل: أهداف منطقة التجارة الحرة القارية، بينما يركز الجزء الثالث على تحديات ومجالات التعاون في إطار اتفاقية التجارة الحرة القارية وتنتهي الورقة بخاتمة.
أولًا: نشأة الاتفاقية ومراحل تطورها والدوافع إليها
بدأت الجهود الأخيرة على طول خارطة الطريق بـمعاهدة أبوجا 1994 واستمرت مع إطلاق "أجندة 2063" في الذكرى الخمسين لإنشاء منظمة الوحدة الإفريقية، من أجل تقييم التقدم المحرز في تكامل السوق الإفريقية وفهم أسباب "فجوة القرب" الإفريقية، ومراجعة أهم الأساليب التي تؤدي إلى تقليل تكاليف التجارة البينية من خلال اعتماد بسيط لقواعد المنشأ، هذا إلى جانب "اتفاقية تيسير التجارة" (TFA (trade free agreement، وذلك من خلال تقليل الوقت والجمارك على الواردات، حيث تُعَدُّ التعريفات الجمركية في الدول المستوردة التحدي الأكبر، ويتم زيادة توفير المنافع العامة الإقليمية (التكامل الاقتصادي الإقليمي) من خلال توفير السلام والأمن والبنية التحتية عبر الحدود في القارة الإفريقية.
ا-منافع التكامل الإقليمي:
تتمثل منافع التكامل في زيادة التنافس وكبر حجم السوق، والذي يسمح بدوره في التوسع في حجم الاستثمارات، ويتضح ذلك من خلال الآتي:
• تسمح زيادة استثمارات الدول الأعضاء بتقليل التشوهات وزيادة المصداقية، وتعمل على زيادة حجم السوق الذي يؤدى بدوره إلى زيادة الجدوى الاقتصادية، وتقليل الشكوك الاقتصادية والسياسية.
• التكامل الإقليمي يمكنه العمل على زيادة الائتمان، وتأمين استمرار الإصلاح الاقتصادي والسياسي.
• زيادة القوة التفاوضية: فتجمع الدول الأعضاء معًا يجعلها أكثر قوة من ناحية التفاوض الاقتصادي الدولي، وتعود الفائدة بصفة خاصة على الدول الصغيرة من خلال المفاوضات التجارية.
• زيادة التعاون: حيث تستطيع الدول الصغيرة ومنخفضة الدخل الاستفادة من التعاون.
• زيادة معدلات النمو الاقتصادي: فقد وجدت معظم الدراسات علاقة موجبة بين النمو والتجارة، بمعنى أن التكامل الإقليمي يؤدي إلى زيادة النمو عن طريق زيادة حجم التجارة الدولية.
• قد يترتب على التكامل الإقليمي انخفاض إيرادات الحكومات؛ نتيجة انخفاض التعريفات الجمركية بشكل مباشر، وبشكل غير مباشر نتيجة التحول عن الاستيراد من دول غير الأعضاء، ومثال ذلك: تفقد كل من زامبيا وزيمبابوي نصف الإيرادات إذا ما طُبِّقَت منطقة التجارة الحرة في تجمع "السادك"، لا سيما أن الإيرادات الجمركية تشكل 6% من إيرادات الحكومة لزامبيا، و10% من إيرادات الحكومة لزيمبابوي.
ومن ناحية أخرى، يترتب على إعادة توطين الصناعات -وفقًا للمزايا النسبية- نتائج أخرى، كما حدث في سوق شرق إفريقيا، عندما تخصصت كينيا في إنتاج الصناعة التحويلية على حساب كل من تنزانيا وأوغندا، الأمر الذي أدّى إلى تفكك هذه السوق في عام 1977، علاوة على بعض المساوئ للتكامل بين الدول، تتمثل في انتشار الأمراض، وانخفاض الإنتاجية الزراعية، خاصة وأنهم يختلفون إلى حد ما فيما لديهم من ثروات وموارد طبيعية. بمعنى آخر، إن بعض الدول لديها ثروات محدودة، لكن لديها عمالة جيدة، والبعض الآخر لديه ثروات نفطية، في الوقت الذي تجد فيه مجموعة ثالثة غنية بالموارد المائية المناسبة لتوليد طاقة كهربية، في حين يملك آخرون مؤسسات تعليمية أكاديمية متخصصة في تطوير الأبحاث من أجل التنمية.
هذا الاختلاف قد لا يكون بالضرورة عيبًا، بل قد يكون في بعض الأحيان ميزة؛ حيث يمكن مساعدة بعض الدول من خلال تجميع تلك الموارد واكتشاف المزايا النسبية التي تتمتع بها هذه الدول، وتجميعها في تكتلات اقتصادية، حتى يستطيع الأعضاء إدارة مواردهم بطريقة كفء للحصول على أفضل النتائج، فالتكامل يساعد الدول الأعضاء على القيام بإصلاحات أكثر عمقًا وأقل ترديًّا، بمعنى آخر، يمثِّل التكامل الإقليمي إطارًا لتنسيق سياسات التعاون، كما أن التعاون لا يعمل فقط على الحد من قيام الصراعات، بل يحاول حلها عن طريق توثيق العلاقات الاقتصادية بين الدول الإفريقية.
ب - مراحل تطور التكامل الإقليمي
التكتلات الاقتصادية الإفريقية: أُنشئت بعضها بغرض تحرير التجارة، والبعض الآخر كان يهدف إلى إقامة مشروعات مشتركة من أجل دفع عجلة التنمية، وتوحيد جهود هذه التكتلات، ودمجها معًا من أجل إنشاء الجماعة الاقتصادية الإفريقية.
الجماعة الاقتصادية الإفريقية: وقَّع عليها 54 دولة في مؤتمر رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الإفريقية في أبوجا يونيو 1991، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ عام 1994، وهي تقترح إنشاء جماعة اقتصادية لإفريقيا على غرار الاتحاد الأوروبي، وقد وقَّعت الدول الإفريقية كافة عليها باستثناء المغرب، وكانت مصر في طليعة الدول التي وقَّعت على هذه الاتفاقية، كما طالبت خلال اجتماعات أول قمة للجماعة الاقتصادية الإفريقية، في يونيو 1997، بإعادة النظر في هيكلة الجماعة الاقتصادية، بما يِتيح انضمام مصر للتجمعات. وقد نصّت الاتفاقية على أنه "ينبغي أن تقوم في مدة أقصاها 34 سنة من تاريخ إيداع الوثائق للتصديق عليها لدى الأمانة العامة للاتحاد الإفريقي، وذلك في مراحل ست تنتهي بإقامة السوق عام 2028، عبر إنشاء التجمعات الاقتصادية الإفريقية، من خلال سوق مشتركة مبنية على التجمعات الاقتصادية الإقليمية التي بدأ يتعزز دورها وتثبت أنها المحرك للتكامل"، وتنص المادة السادسة للفصل الثاني للمعاهدة على ست مراحل على النحو التالي:
وتسير الأمور بشكل جيد بالنسبة للاتحاد الإفريقي والجماعة الاقتصادية الإفريقية بالتنسيق مع التجمعات الإقليمية في تنفيذ النصف الأول من مرحلة 2008: 2018 التي تهدف إلى تحقيق فكرة منطقة التجارة الحرة، وتشمل خطط الاتحاد والجماعة الاقتصادية والنيباد دمج 14 تجمعًا إقليميًّا حاليًّا لتصبح خمسة فقط، يساعد على ذلك عضوية معظم الدول الإفريقية في أكثر من تجمع، وربما أسهم التداخل بين التجمعات الإقليمية في تسريع عملية تآلفهم في الجماعة الاقتصادية. وتبذل هذه التجمعات جهدًا كبيرًا في مجال التنمية والتكامل، إضافة إلى تعزيز السلام من خلال حل النزاعات في أقاليمها، لكن يثور التساؤل: هل حقَّقت الجماعة الاقتصادية أهدافها؟!
نظرًا لحداثة التجربة فيمكن اعتبارها خطوة أولى على طرق التكامل بين مجموعة غير متجانسة من الدول؛ فمن الناحية السياسية هناك عدد كبير من المشاحنات، وخلافات الحدود بين الدول الأعضاء، وهناك مناخ من عدم الاستقرار السياسي الأمني، ومن الناحية الاقتصادية هناك انتشار الفقر والتخلف والاعتماد على العالم الخارجي.
وفي إطار الاهتمام المصري بتعميق الروابط، وتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي في منطقة الغرب الإفريقي، انضمت مصر إلى الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) كعضو مراقب في نهاية ديسمبر2004، وتم الإعلان عن ذلك في قمة الاتحاد الإفريقي بأبوجا 2005.
جـ - مراحل تطورها
في مارس 2018 تم إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية African Continental Free Trade Area (Af CFTA) بعد توقيع مصر وانضمامها إلى 43 دولة، ودخلت حيز التنفيذ عام 2019، وتُعَدُّ هذه خطوة مهمة لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، خاصة بعد إزالة القيود الجمركية بين الدول الأعضاء، فما زالت التجارة البينية لا تتجاوز 16% من إجمالي حجم تجارتها مع العالم، ويتوقع أن تزيد بنسبة 33%، بينما تصل هذه النسبة إلى 68% في الاتحاد الأوربي.
إذا نجحت هذه الاتفاقية فإنها ستعمل على توحيد 1.3 مليار شخص، وخلق تكتل اقتصادي بقيمة 3.4 تريليون دولار، ودخول القارة الإفريقية في عصر جديد من التنمية. وإذا التزم الأعضاء بإلغاء التعريفات الجمركية على معظم السلع فستزداد التجارة في المنطقة بنسبة 25٪ على المدى المتوسط، وقد تتضاعف هذه النسبة إذا تم التعامل مع القضايا الأخرى، خاصة ما يتعلق بالتوافق حول النقاط العالقة لقواعد المنشأ، بماِ لا يتجاوز نهاية يونيو ٢٠٢١.
هذا وتُعَدُّ مصر من أوائل الدول الموقِّعة والمصدِّقة على الاتفاقية، وذلك في ظل الدور المحوري للاتفاقية في دعم جهود التنمية في القارة، وذلك من خلال ربط الأسواق الإفريقية بعضها البعض، بما ينعش القطاعات الصناعية والزراعية، وإذا انضمت الدول الإفريقية كلها إلى اتفاقية التجارة الحرة القارية فستكون أكبر تكامل إقليمي من حيث الحجم في العالم عام 2030، وبالتالي سيضم حجم السوق 1.7 مليار نسمة، ويصبح إنفاق المستهلكين والإنفاق الاستثماري 6.7 تريليونات دولار.
ثانيًا: أهداف منطقة التجارة الحرة القارية
تطمح منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية إلى تعميق تكامل القارة الإفريقية، وتجاوز إنشاء منطقة تجارة حرة، في ظل السعي لإنشاء سوق محررة، من خلال جولات متتالية من المفاوضات من أجل وضع أساس لإنشاء اتحاد جمركي قاري والمساهمة في تسهيل حركة رأس المال والأشخاص الطبيعيين.
وحتى تتم الاستفادة الكاملة من منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، يجب على البلدان دعم التنفيذ مع التدابير التكميلية في الاستثمار والإنتاج وتيسير التجارة والبنية التحتية المتعلقة بالتجارة، وتقدم منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية نهجًا جديدًا منذ أن تم التوقيع عليها منذ التأسيس من قبل رؤساء الدول والحكومات الأفارقة في كيغالي في 21 مارس 2018. وتمثل علامة فارقة في التكامل التجاري القاري، حيث تتمتع منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية بإمكانية الترويج لها من حيث زيادة فرص العمل، وتحقيق الروابط الصناعية، والتنويع الاقتصادي والتحول الهيكلي في إفريقيا. أما المكاسب طويلة الأجل، فمن المتوقع أن تشمل تعزيز التجارة بين البلدان الإفريقية بأكثر من 50% وتصل مكاسب الرفاهية 16 مليار دولار، ذلك إذا كان تيسير التجارة والإصلاحات تجريان في الوقت نفسه، ستكون الفوائد الاقتصادية أكبر.
ومن أجل تحقيق الأهداف المأمولة يجب أن يعمل الأفارقة جميعًا للوصول إلى الهدف الطموح الذي قررته الدول الإفريقية وهو رفع نسبة التجارة الإفريقية البينية من 12% في عام 2013 إلى 50% في 2045، وتحسين حصة إفريقيا في التجارة الدولية من 2% إلى 12%. ومن خلال رسم رؤية آفاق زمنية مرحلية لتحقيق التكامل والوحدة الاقتصادية، ومن ذلك إقامة منطقة تجارة حرة قارية، وبرنامج للتجارة الإفريقية البينية المتبادلة بحلول 2022، ودعم الموقف الإفريقي في مفاوضات التجارة العالمية، وإقامة مؤسسات تمويلية، مثل: بنك للاستثمار الإفريقي، وسوق للأسهم الإفريقية، وصندوق للنقد الإفريقي، وبنك مركزي إفريقي عام 2028.
ثالثًا: تحديات ومجالات التعاون في إطار اتفاقية التجارة الحرة القارية
شكَّلت التجارة البينية بين البلدان الإفريقية حصة صغيرة فقط من إجمالي صادرات وواردات إفريقيا خلال عام 2010، حيث تداولت القارة أكثر مع العالم الخارجي عنها في الداخل، خاصة مع الاتحاد الأوروبي الذي استحوذ على الحصة الكبرى من تجارة إفريقيا، حيث تصل نسبته من الصادرات الإفريقية 30%.
ويرجع السبب في انخفاض التجارة البينية بين دول القارة لعدة أسباب، أهمها: ضعف البنية التحتية خاصة الطرق والنقل، ومن ثمّ كان التركيز في الآونة الأخيرة على المشروعات المشتركة، مثال ذلك: الطرق الحديدية، والبنية التحتية الملائمة التي تُعَدُّ المحرك الرئيس المفقود للنمو الاقتصادي، والتنمية المستدامة عبر القارة الإفريقية، فالبنية التحتية تمكن الشركات الموجهة للتصدير للوصول إلى الأسواق الدولية بسرعة وبتكلفة زهيدة وكفاءة، كما إنها تدعم القدرة التنافسية للصادرات الصناعية وقدرة المصدرين الزراعيين على الامتثال إلى متطلبات الصحة العامة والصحة النباتية في الأسواق الدولية، ويُعَدُّ الاستثمار غير الكافي في البنية التحتية تقييدًا لقدرة البلدان الإفريقية للاستفادة الكاملة من النمو، وخلق فرص العمل في إطار وجود منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، خاصة بعد فقد إفريقيا ما يُقدَّر بنحو 25% من النمو الاقتصادي التراكمي في العقديْن الماضييْن؛ بسبب عدم كفاية الاستثمار في البنية التحتية.
وعلى الرغم من التحسينات الأخيرة في النمو الاقتصادي الإفريقي، فإنها ما زالت غير كافية، وتشير بيانات بنك التنمية الإفريقي إلى تقدير متطلبات البنية التحتية لإفريقيا في 130-170 مليار دولار في السنة، وتصبح الفجوة التمويلية تتراوح بين 68 و108 مليارات دولار، الأمر الذي يسببه هذا العجز في إعاقة التجارة البينية عن طريق الحد من التنقل والانتقالات بين الدول، ومن ثمّ أصبح تحسين البنية التحتية يمكن البلدان الإفريقية من المشاركة بشكل كامل في التجارة وجني الفوائد الاقتصادية الإقليمية. ويتابع القادة الأفارقة المبادرات الإقليمية الرئيسة الخاصة بالبنية التحتية القارية، بما في ذلك تلك الموجودة تحت إشراف برنامج الاتحاد الإفريقي لتطوير البنية التحتية في إفريقيا The AU’s Programme for Infrastructure Development in Africa (PIDA) A) من خلال اللجنة التوجيهية، وهي مكلفة بمراقبة التقدم في تطوير البنية التحتية في سياق أجندة 2063، ومبادرة الطريق السريع الإفريقي، مع إضافة تسعة طرق سريعة بما يصل إلى 56683 كيلومترًا، تم اكتمال حوالي 60 % منها. ويشير الجدول التالي إلى أهم 5 مشروعات نقل في إطار PIDA.
وتمثِّل هذه الطرق خطوطًا عرضية، توصِّل البلاد الإفريقية بعضها ببعض في مقابل الخطوط الرئيسة، مثل كايرو كيب الواصل من شمال القارة إلى جنوبها (حيث تصل نسبة الطرق الممهدة في إفريقيا إلى 25% من إجمالي الطرق في القارة، بينما المتوسط العالمي يصل إلى 50%).
أما الطرق الحديدية فهناك خط حديدي يصل مصر بالسودان (900 كم)، إلى جانب قطار فائق السرعة قاري لعموم إفريقيا، مخطط له في أجندة 2063، يهدف إلى ربط عواصم إفريقيا والمدن الكبرى، بما في ذلك المحاور التجارية والمناطق الاقتصادية والسياحية.
ومن المشروعات المهمة: مشروع لامو بورت للنقل الذي يربط بين جنوب السودان وكينيا وإثيوبيا وهو ما يعرف بـ (برنامج ممر LAPSSET)
The Lamu Port–South Sudan–Ethiopia Transport (LAPSSET Corridor programme
هذا المشروع يعد أكبر ممر في شرق إفريقيا، وأكثر مشروعات البنية التحتية طموحًا، والتي تجمع بين إثيوبيا وكينيا وجنوب السودان، ويتكون هذا المشروع الضخم من سبعة مشروعات بنية تحتية رئيسة: ميناء 32 رصيفًا جديدًا في لامو (كينيا)، والطريق السريع بين الذي يربط بين المناطق في كل من إثيوبيا وكينيا وجنوب السودان، ويمر عبرها خط أنابيب للنفط الخام للدول الثلاث، وخط أنابيب النفط المنتج من كينيا إلى إثيوبيا، و1500 كيلومتر إلى جانب خطوط السكك الحديدية القياسية عبر البلدان الثلاثة، وثلاثة مطارات دولية (واحد في كل بلد) إلى جانب المنتجعات السياحية في كل بلد كذلك سد الشلالات الضخمة متعدد الأغراض على طول نهر تانا. أما بالنسبة إلى هيئة تطوير ممر LAPSSET، تم إنشاء أكثر من 5000 فرصة عمل منذ الإنشاء بدأت في عام 2012. كما تم إطلاق خط السكة الحديد القياسي في كينيا في عام 2017، وتقدَّر التكلفة الإجمالية بأكثر من 25,5 مليار دولار.
تم منح عقد بقيمة 449 مليون دولار لأول ثلاثة أرصفة في لامو لشركة China Communications وهي شركة الإنشاءات المحدودة عام 2015، وذلك من أجل إنشاء مبنى LAPSSET الحديث ومركز الشرطة، ومحطة الطاقة الفرعية Lamu، ومصنع لتصنيع الأنابيب الفولاذية ونظام شبكي للمياه، وسيكون ميناء لامو الجديد قادرًا على ذلك للتعامل مع أكبر السفن في العالم بقناته التي يبلغ عرضها 500 متر وعمقها 18 مترًا (بالمقارنة بميناء ديربان الذي يبلغ عرض القناة فيه 220 مترًا بعمق 16 مترًا).
أما على صعيد السكك الحديدية فقد وقعت الهيئة القومية لسكك حديد مصر عقدًا مدته خمس سنوات بقيمة تزيد على مليار يورو لـعربات قطار تسع 1300 راكب مع الشركة القابضة-المجرية Kft في سبتمبر 2018، وعقدًا آخر من أجل تطوير وتوسعة شبكات طرق السكك الحديدية في مصر بما يقرب من 10 مليارات دولار على مدى 10 سنوات، وخصصَّت مبلغ 8 مليارات دولار أخرى للسنوات الخمس إلى العشر التالية بخبرة بريطانية.
وبالنسبة لأوغندا، فقد تم توقيع اتفاقية لتمويل إعادة تأهيل الخط الشمالي البالغ طوله 375 كيلومترًا بين تورورو وجولو مع الاتحاد الأوروبي، والذي سيقدم منحة بقيمة 21.5 مليون يورو جنبًا إلى جنب 13.1 مليون يورو ساهمت بها حكومة أوغندا، وتهدف إعادة إحياء خط السكة الحديد إلى تقليل تكاليف النقل في شمال أوغندا وجنوب السودان وشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وتسهيل نقل البضائع التي تسافر حاليًا برًّا.
أيضًا في كينيا، تم إطلاق نظام السكك الحديدية SGR المحدَّث في مارس 2017، وكذلك في السنغال تعتزم الحكومة إصلاح شبكة السكك الحديدية المتدهورة للغاية وشبه المهجورة، مع برنامج لتمهيد 1520 كيلومترًا من الخطوط الجديدة التي تربط داكار بالمدن الرئيسة. وقد تم تطوير الأسواق الإقليمية للسنوات الخمس التي تبدأ من يناير 2019، وكذلك تم الانتهاء من الجزء الأول من قطار داكار الإقليمي السريع (TER) Dakar Regional Express Train، البالغ طوله 55 كيلومترًا والذي يربط وسط داكار مع مطار بليز دياني الدولي.
وبالانتقال إلى مجال البنية التحتية في المجال الجوي والربط الجوي بين البلدان الإفريقية يُلاحظ حصوله على أهمية كبرى في يناير 2018، خاصة المشروع الرائد الذي حمل شعار سوق نقل جوى إفريقي واحدة Air African Transport Market (SAATM) the single،
في إطار أجندة 2063 لتوحيد سماء إفريقيا، من أجل تسهيل حرية الحركة لكل من الناس والبضائع، ومن أجل تعزيز التكامل والاتصال بين ربوع القارة، خاصة أن الطيران يدعم قطاع السياحة والتجارة. ويُعَدُّ هذا تدعيمًا لخطة العمل لتعزيز التجارة بين البلدان الإفريقية التجارة (BIAT) the Action Plan for Boosting Intra-African Trade مع منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.
وتشير تقديرات لجنة الاتحاد الإفريقي AUC African Union Commission إلى أن SAATM يسعى إلى توفير ما يقرب من 300 ألف وظيفة مباشرة، إلى جانب 2 مليون وظيفة غير مباشرة، كما تشمل الفوائد تحسين الاتصال بالخدمات الجوية، وخفض أسعار تذاكر السفر بنسبة 25%، وزيادة الراحة. ويقدَّر عدد الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، والتي تنتمي إلى SAATM بـ 28 دولة، تغطي أكثر من 700 مليون شخص. تلك الدول تنسق فيما بيننها اتفاقيات الخدمات الجوية الثنائية الخاصة بها، مع توقيع 16 دولة على مذكرة من التنفيذ لإزالة جميع القيود في الاتفاقات والامتثال إلى Yamoussoukro من أجل تحرير أسواق النقل الجوي في إفريقيا.
التجارة البحرية في إفريقيا
يفيد التكامل الإقليمي أيضًا رعاية التجارة البحرية لإفريقيا، خاصة في حالة الشحن والمواني، والوصول إلى المناطق النائية، حيث تعتمد إفريقيا بكثافة على السفن والمواني لخدمة التجارة العابرة للقارات، وإذا كانت إفريقيا تساهم بما يقرب من 2.7% من التجارة العالمية من حيث القيمة إلا أنها تساهم بحصص أعلى في نقل التجارة البحرية العالمية (7% من الصادرات البحرية و5 % من الواردات البحرية من حيث الحجم)، لكن
لا تتطابق مواني الشحن في إفريقيا دائمًا مع الاتجاهات والمعايير العالمية، فهناك أربع محطات للحاويات في مصر والمغرب وجنوب إفريقيا، لم يظهر أي ميناء إفريقي في عام 2016 بالقائمة العالمية لأكبر 100 ميناء للحاويات، ومعظم مواني الحاويات والنقل في المناطق الداخلية في إفريقيا تحتاج إلى تطوير الشبكات الرافعة وتحسين الإنتاجية، ويُلاحظ محدودية التجارة البحرية بين الدول الإفريقية لقلة تنوع المنتجات؛ حيث يشكل النفط الخام 40% من الصادرات البحرية لإفريقيا في عام 2017، في حين كان أكثر من ثلثي الواردات من البضائع الجافة المعبأة في حاويات، كما تصل منتجات الغاز والبترول إلى 20%.
من الناحية الجغرافية تعد أفضل البلدان اتصالًا هي التي توجد في محاور القارة، حيث تصل المواني المحورية إلى طرق الشحن الدولية، خاصة في مصر، والمغرب وجنوب إفريقيا، تليها شبه الإقليمية، مثل مراكز التحميل في جيبوتي وموريشيوس وتوجو، ومن ثمّ تصبح هذه الدول قادة في إفريقيا لتوصيل وشحن الحاويات بمساعدة من الاستثمارات العامة والخاصة وإصلاحات المواني وتحسين العبور للاتصال بالمناطق المجاورة للبلدان غير الساحلية.
أما في مجال الطاقة يُلاحظ أن هذا القطاع يعد محرك النمو والتنمية عبر إفريقيا، لذلك تزداد أهمية الاستثمار في البنية التحتية للطاقة على المستويين الوطني والإقليمي من أجل النمو الاقتصادي في المستقبل، والحد من الفقر والحصول على الطاقة بأسعار معقولة للجميع، خاصة بعد تكرر انقطاع التيار الكهربائي في إفريقيا الأمر الذي أضر بشكل مباشر بالأداء الصناعي وبالتالي الأداء الاقتصادي، لذا تطلب الأمر زيادة إمدادات الطاقة بأسعار معقولة للشركات لإنتاج السلع والخدمات للتبادل داخل القارة للاستفادة من منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.
ويتمثَّل أكبر عجز في البنية التحتية في قطاع الطاقة في إفريقيا، فما زالت القدرة على توليد الطاقة غير كافية، كما أن الإمدادات غير آمنة، والكفاءة منخفضة وغير فعالة، فأكثر من 607 ملايين شخص في إفريقيا لم يحصلوا على الكهرباء في عام 2016، وثلاثة بلدان فقط في إفريقيا لديها 66% من الطاقة الكهربية، وهي: الجزائر ومصر وجنوب إفريقيا، وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن تقديرات برنامج تطوير البنية التحتية في إفريقيا (PIDA) تُشير إلى أن الطلب على الطاقة سينمو سنويًا بـ 6% حتى عام 2040، وتتطلب القدرة على توليد الكهرباء في إفريقيا زيادة الإنتاج من حوالي 191 جيجاوات في عام 2016 إلى 446 جيجاوات بحلول عام 2040، لتلبية الطلب المتزايد.
تكنولوجيا المعلومات
كانت مصر من بين الدول الرائدة في تصدير خدمات التعهيد وتكنولوجيا المعلومات في عامي 2016 و2017، وفي الوقت نفسه تم دعم المرحلة الثانية من مشروع تمديد البنية التحتية للألياف البصرية في كينيا بمبلغ 107 ملايين دولار من التمويل الصيني، وهذا المشروع سيوفر 1600 كيلومتر من الألياف التي تربط جميع المقاطعات الـ 47، فضلًا عن توفير 500 كيلومتر للاستخدام العسكري، وتضيف المرحلة الثانية إلى 4300 كيلومتر من الكابلات الحالية التي اكتمل إنشاؤها في عام 2009، وتربط 58 مدينة في 35 مقاطعة.
أما زيمبابوى فقد وقَّعت TelOne في زيمبابوي تسهيلات قرض بقيمة 98 مليون دولار مع Eximbank of China لتمويل برنامج شبكتها الحديث، مع هواوي كمقاول المشروع، ويقوم بنك Eximbank الصيني بتمويل المرحلة الثانية من النطاق العريض للاتصالات الوطنية في الكاميرون، لمشروع شبكة في الكاميرون بقيمة 338 مليون دولار، وفي توجو، سيتم ربط 500 مبنى إداري بشبكة ألياف بصرية بقيمة 22 مليون دولار أنشأتها Huawei وبتمويل من China Eximbank، وفي النيجر قدَّم بنك الصين Eximbank قرضًا تفضيليًّا بقيمة 99 مليون دولار لإنشاء العمود الفقري للألياف البصرية.
أيضًا في بنين، قدَّم بنك الصين Eximbank قرضًا تفضيليًّا لقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية، جزئيًا، والذي سيتم استخدامه لتطوير شبكة النطاق العريض، وقامت بوروندي بصياغة برنامج البنية التحتية للاتصالات الإقليمية بدعم من البنك الدولي.
مشروعات البنية التحتية الإقليمية والوطنية
يمكن أن تدعم مشروعات البنية التحتية الإقليمية والوطنية تكامل القارة، وربط الدول غير الساحلية بالبلدان الساحلية، مثل: برنامج الممر بين الشمال والجنوب في شرق وجنوب إفريقيا، وخليج والفيس وهو ممر في جنوب إفريقيا، وخط الملاحة وهو مشروع يربط بحيرة فيكتوريا بالبحر المتوسط عبر نهر النيل، وتشمل المشروعات الأخرى شبكة سكك حديدية في غرب إفريقيا تربط بنين وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وغانا والنيجر ونيجيريا وتوجو، ومشروع سكة حديد مومباسا – كيجالي.
وفي هذا الإطار، يجب على البلدان الإفريقية معالجة أزمة التنفيذ، وترجمة الوعود على المستويين القاري والإقليمي إلى خطة عمل تشمل تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، والتنسيق بين الخطوط الجوية الإفريقية الموحدة "سماء واحدة" من أجل تحقيق حرية التنقل، والسلام والأمن، إلى جانب الوصول إلى التكامل النقدي والالتزام ببروتوكول الاتحاد الإفريقي بشأن حرية حركة الأشخاص.
تلعب منطقة التجارة الحرة القارية دورًا في التغلب على تحديات ومشكلات التجمعات الاقتصادية الإقليمية الإفريقية، من أجل اتساق التجارة الداخلية في إفريقيا؛ حيث تعد من بين أهم التطورات التجارية، ليس بسبب التوقيع عليها من قِبل 54 دولة إفريقية (وهو أكبر رقم من حيث عدد الدول المشاركة)، بل لأنها أكبر اتفاقية تجارية منذ تشكيل منظمة التجارة العالمية، وتتضمن العديد من التفاصيل في معظم الفقرات والبنود والبروتوكولات، وهناك العديد من الدول الإفريقية تنتمي إلى أكثر من تكتل اقتصادي، وبالتالي يحدث تداخُل في عضويتها، فعلى سبيل المثال: تنتمي 12 دولة إفريقية إلى مجموعة اقتصادية إقليمية واحدة؛ بينما تنتمي 33 دولة إلى مجموعتين من التجمعات الاقتصادية الإقليمية، وهناك 8 دول تنتمي إلى 3 تجمعات إقليمية من التجمعات الاقتصادية الإقليمية، ودولة تنتمي إلى 4 تجمعات اقتصادية إقليمية.
ويُلاحظ أن أربعة تجمعات اقتصادية إقليمية وصلت إلى مرحلة منطقة تجارة حرة، والبعض الآخر يتمتع بنوع أعمق من التكامل، بما في ذلك الاتحاد الجمركي والنقدي. لذلك أيضًا تلعب منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية دورًا مهمًا في تحرير التجارة بين البلدان الإفريقية، خاصة في الشمال والوسط وغرب إفريقيا (التي لم تحقق تطورًا كبيرًا)، فالاتفاقية لو كانت سارية المفعول لكان من الممكن أن تغطي 21% من الواردات البينية الإفريقية في 2017، التي لم تكن مشمولة باتفاقيات التجارة الحرة بين البلدان الإفريقية، أو كانت سوف تتم تغطيتها من قِبل TFTA.
وتجدر الإشارة إلى أن منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية من المحتمل أن يكون لها تأثير محدود في العديد من البلدان، خاصة في شرق وجنوب إفريقيا، التي تستورد حاليًا نسبة صغيرة فقط من الواردات الإفريقية التي لا تشارك في ترتيبات اتفاقية التجارة الحرة معها بسبب تداخل وازدواجية ترتيبات التداول في إفريقيا، وتعقُّد الإجراءات الجمركية في الإدارات الجمركية، الأمر الذي يعوق النهوض بأي تكامل اقتصادي قاري، لهذه الأسباب وغيرها يتمثل الهدف الواضح لاتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية في "حل مشكلة تحديات العضوية المتعددة والمتداخلة والتعجيل الإقليمي والقاري بعمليات التكامل"، ويتطلب تحقيق ذلك دمج وتوحيد ترتيبات التداول في إفريقيا. وفي هذا الإطار، حقَّقت بعض اتفاقيات التجارة الحرة للتجمعات الاقتصادية الإقليمية مستويات أعلى من التكامل عن اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية عندما دخلت حيز التنفيذ، خاصة جماعة شرق إفريقيا والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، والتي وصلت إلى مرحلة الاتحاد الجمركي مع تحريرها التجارة بالكامل، أما اتفاقية التجارة الحرة التي أنشأتها كل من اتفاقية أغادير والكوميسا، فقد حققت تحريرًا كاملًا.
خاتمة:
يتطلب التغلب على عوائق تحقيق التكامل الإقليمي في إفريقيا التنسيق بين الأنظمة الحاكمة، سواء الاقتصادية أو المالية، والتنسيق بينها، وحتى يتم الوصول إلى السوق الإفريقية الموحدة بشكل تدريجي يستلزم ذلك إجراء جولات من المفاوضات المتعاقبة لتحرير التجارة، والتي من خلالها يمكن لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية توحيد الأنظمة التجارية المجزأة في إفريقيا في نظام قاري متماسك.